منهج ابن الحاج أبي عبد الله محمد بن محمد العبدري في التلقي والاستدلال.

نوع المستند : وعروض الکتب والتقاریر عن رسائل الماجستیر والدکتوراه فى التخصصات العلمیة لأقسام کلیات الآداب والعلوم الاجتماعیة والإنسانیة فى مصر والعالم العربی بمختلف اللغات ( العربیة والانجلیزیة او الفرنسیة او الالمانیة ) وغیرها مما یدرس بالکلیة.

المؤلف

جامعة الملک عبد العزيز

المستخلص

وقد فضل الله العلماء بفضل العلم "فبيان فضل العلم يستلزم بيان فضل العلماء، لأن العلم صفة قائمة بالعالم، فذکر بيان فضل الصفة يستلزم بيان فضل من هي قائمة به" ( [1])
وقال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية «يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» ( [2])، والمعنى أنه: «يرفع الله الذين أوتوا العلم» على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم (درجات)، أي: درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به" ( [3]).
و لما کان لأبي عبد الله محمد بن محمد العبدري الفاسي المالکي المشهور  بابن الحاج من شهرة ومکانة علمية کبيرة عند جمهور غفير من المسلمين في المغرب والمشرق فهو يُعد مرجعاً في معرفة البدع وإنکارها ، بل إن کثيرًا من العلماء نقل عنه ( [4]) ، وخاصة من کتابه  المسمى " المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على بعض البدع والعوائد التي انتحلت وبيان شناعتها وقبحها " ( [5])
فقد احببت أن أدلي بدلوي في بيان منهج الشيخ ابي عبد الله محمد بن محمد ابن الحاج  ــ رحمه الله ــ  في التلقي والاستدلال([6])  ، کي يستنير به کل من ينتمي للعلم  والدعوة في طريقه ، وينتبه الغافلون، ويصحوا  أهل الأهواء المفتونون.
واقتضت طبيعة البحث تقسيمه الى مبحثين :
المبحث الأول:  سيرة ابن الحاج  ــ رحمه الله ــ .
المبحث الثاني: منهجا التلقي والاستدلال عند ابن الحاج ــ رحمه الله ــ.
فأقول مستعيناً بالله تعالى متوکلاً عليه, سائلاً الله ربَّ جبريل وميکائيل وإسرافيل, فاطر السماوات والأرض, عالم الغيب والشهادة أن  يهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنه, إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
المبحث الأول:  سيرة ابن الحاج  ــ رحمه الله ــ :
وسوف نتطرق  ان شاء الله إلى التعريف بابن الحاج ــ رحمه الله ــ  وذلک بذکر سيرة ابن الحاج  ، وحياته العلمية وطلبه للعلم ، و مکانته العلمية ، وثناء العلماء عليه ، و مؤلفاته، ووفاته .
أولاً: حياة ابن الحاج: وتشمل: اسمه، و نسبه، ومولده، وکنيته ولقبه :
  اسمه: هو محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي، المعروف بابن الحاج  ( [7]).
      نسبه: (العبدري) ( [8])، نسبة إلى بني عبد الدار بن قصي بن کلاب، وهي نسب عائلته ويمکن  أن تکون عائلته إحدى العوائل التي  هاجرت  أو استقرت في فاس أثناء الفتوحات الإسلامية.
(الفاسي)  ( [9]) نسبة لمدينة فاس التي ولد فيها.
(المغربي) ( [10]) نسبة للمغرب التي بها مدينة فاس.
       (المالکي) ([11]) نسبة لمذهبه الفقهي، وهو مذهب الإمام مالک السائد في بلاد المغرب العربي.
       مولدُه: لم تشر المصادر إلى تاريخ ولادته، ولکنها اتفقت على تاريخ وفاته؛ فقد ذکرتْ أنَّه تُوُفِّي في سنة 737هـ ، وأشارت إلى أنَّه بلغ الثمانين أو جاوزه،  فيمکن أنْ يکون ( [12]) مولده سنة 657هـ تقريبًا، أي في أواسط القرن السابع الهجري، وهو ما ذهب إليه مؤلف کتاب ذيل التقييد، ويرجِّحه الباحث ( [13]).
   ولد ابن الحاج في مدينة فاس ببلاد المغرب  ( [14])، ونشأ بها، وتلقَّى تعليمه بها ( [15]).
و کنية ابن الحاج ولقبه: کُنِيَ ابنُ الحاج بأبي عبد الله ( [16])، ويمکن أن تکون هذه الکنية باسم ولده عبدالله.
ولقِّب بـ ( ابن الحاج) ( [17])؛ إذْ عُرِفَ به واشتهر، ولم تبين المصادر سبب تسميته بهذا اللقب، ولکنَّ بعض الأسر العلمية في المغرب العربيِّ قد عرفت بـ (ابن الحاج).
ثانياً: حياة ابن الحاج العلمية وطلبه للعلم:
لم تذکر کتب السير والتراجم شيئًا عن بداية حياته الأولى، ولم تذکر شيئًا عن أسرته، حيث إن هذا الأمر طبيعي يحصل في تراجم الأعلام؛ حيث إنهم لم يشتهروا في بداية حياتهم، وکل ما ذکرتْه المصادر أنه تلقى تعليمه بمدينته فاس؛ حيث کانت عاصمة الثقافة الإسلامية، وقد تميّزتْ مدينة فاس في تلک الفترة بازدهار الحرکة العلمية؛ فقد کانت تضم جامع القرويين، الذي انشأته أم البنين فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهرية القيروانية ( [18])، کما کانت فاس تضم کثيرًا من المدارس العلمية ( [19]) التي استفاد منها کثير من العلماء ( [20]).
ثم قدم ابن الحاج  ــ رحمه الله ــ الديار المصرية، ثُمَّ قصدَ الحجازَ للحج، ولم تذکر کذلک المصادر التاريخية تاريخ قدومه مصر.
وقد تلقى ابن الحاج  ــ رحمه الله ــ  العلم فسمع الموطأ على أيدي علماء مصر، ولازم علماءها حتى أصبح أحد علمائها ( [21]) ومحدثيها وأحد المشايخ المشهورين بالخير والزهد والصلاح ( [22]).


 


 ( [3]) الجامع لأحکام القرآن: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بکر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الکتب المصرية – القاهرة، ط2، 1384هـ - 1964م، 17/299.


 ( [4]) فقد نقل ابن حجر  عنه في فتح الباري شرح صحيح البخاري ،  وکما نقل عنه القسطلاني  ــ رحمه الله ــ   في  إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري وغيرهم کتير لا يحصون .


 ( [5]) وقد طبع الکتاب في  اربع مجلدات اخرجه  مطبعة التراث بالقاهرة وبدون طبعة او تاريخ وهذه الطبعة المعتمدة في البحث ، وکما طبع  في اربع مجلدات بمطبعة  دار الفکرعام1401هـ - 1981م  ،  وطبع في مجلدين  بمطبعة المکتبة العصرية ، بيروت ، 2013 م،1434هـ.


([6])  هذا البحث مستل من رسالتي للدکتوراه ( آراء ابن الحاج العقدية عرض ومناقشة في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة)


 ( [7]) الدرر الکامنة في أعيان المائة الثامنة: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد العسقلاني، تحقيق محمد عبد المعيد ضان ،  مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد، الهند، ط 2، 1392هـ، 5/507. انظر : الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث للطبع والنشر، القاهرة، 2


 ( [14]) فَاسُ: بالسين المهملة، بلفظ فاس النجّار: مدينة مشهورة کبيرة على برّ المغرب من بلاد البربر، وهي حاضرة البحر وأجلّ مدنه قبل أن تختطّ مرّاکش، وقد نسب إليها جماعة من أهل العلم، منهم: أبو عمر عمران بن موسى بن عيسى بن نجح الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. ( معجم البلدان: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، دار صادر، بيروت، ط2، 1995م، 4/230-231 ) بتصرف.


 

الكلمات الرئيسية