لم يکن السبي الآشوري، ثم البابلي، لليهود استرقاقاً واستعباداً کما يتبادر إلى الذهن، بل کان ذلک السبي عبارة عن نفي وتغيير مکان الإقامة. ولذلک فقد عاش يهود السامرة (المملکة الشمالية) حيث نفاهم الآشوريين حياة حرة بين سکان المناطق الأصلية من الأکراد، ثم أخذوا طراز حياتهم وأسلوب معيشتهم وتطبعوا بطباعهم. وبسبب انعزال هذه المناطق فقد انقطعت صلتهم بباقي اليهود. أما من سُبي إلى بابل، فکانت ظروفهم أفضل والحياة أرغد والمناخ أفضل، لا سيما أن نبوخذ نصر – وملوک بابل من بعده- أعطوا اليهود الحرية الکاملة بالعمل وحرية العبادة، حتي استفادوا منهم([1]).
وکانت سياسة الآشوريين أن يشتتوا السبايا في عدة أماکن نائية منعزلة لکي لا يتيسر لهم التجمع في مکان واحد والتکتل فيه علي أمل العودة إلى المناطق التي أجلوا عنها. وقد حددت التوراة المناطق التي نقل اليهود إليها ((.....فَسَبَاهُمُ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ وَنِصْفَ سِبْطِ مَنَسَّى وَأَتَى بِهِمْ إِلَى حَلَحَ وَخَابُورَ وَهَارَا وَنَهْرِ جُوزَانَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ))([2])، ((...وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْکَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي))([3]). أما الکلدانيين خلافاً لما قام به الآشوريين من تشتيت الأسرى وإبعادهم إلى مناطق جبلية نائية منعزلة، جاؤوا بسباياهم من الأسرى اليهود إلى مرکز الدولة (بابل) وأسکنوهم في جوار مدنهم وقراهم مما مکنهم من التجمع في المنفى والاستمرار في ممارسة تقاليدهم وطقوسهم الدينية وتکوين مجتمعهم الخاص بهم. (السبي الأول ليهوذا 597 ق.م . والسبي الثاني ليهوذا 586 ق.م)([4]).
وتعد مرحلة ما بعد التهجير (بعد 587 ق.م) هي المرحلة التي اکتسبت خلالها العبادة القربانية المرکزية الملامح التي حولتها إلى العقيدة اليهودية في نهاية الأمر. وقد شهدت هذه المرحلة التعديل التدريجي للشريعة بحيث تحولت من کونها شريعة تشمل کل جوانب الحياة إلى شريعة تغطي بعض جوانبها وحسب، إذ تم تَقبُّل قوانين الدولة الحاکمة في عدة مجالات باعتبار أن «شريعة الدولة هي الشريعة» وهو ما أدَّى إلى تقلُّص مجال الشريعة اليهودية واقتصاره على الجوانب الدينية فقط وعلى الجوانب الخاصة بالعلاقات الداخلية لأعضاء الجماعات اليهودية([5]).
توفيق, براء محمد صلاح الدين محمد. (2020). تحول الديانة اليهودية من العبادة القربانية المرکزية إلى العبادة الحاخامية التلمودية. مجلة مرکز الخدمة للاستشارات البحثية واللغات, 22(62), 1-31. doi: 10.21608/jocr.2020.114954
MLA
براء محمد صلاح الدين محمد توفيق. "تحول الديانة اليهودية من العبادة القربانية المرکزية إلى العبادة الحاخامية التلمودية", مجلة مرکز الخدمة للاستشارات البحثية واللغات, 22, 62, 2020, 1-31. doi: 10.21608/jocr.2020.114954
HARVARD
توفيق, براء محمد صلاح الدين محمد. (2020). 'تحول الديانة اليهودية من العبادة القربانية المرکزية إلى العبادة الحاخامية التلمودية', مجلة مرکز الخدمة للاستشارات البحثية واللغات, 22(62), pp. 1-31. doi: 10.21608/jocr.2020.114954
VANCOUVER
توفيق, براء محمد صلاح الدين محمد. تحول الديانة اليهودية من العبادة القربانية المرکزية إلى العبادة الحاخامية التلمودية. مجلة مرکز الخدمة للاستشارات البحثية واللغات, 2020; 22(62): 1-31. doi: 10.21608/jocr.2020.114954